الدستور السوري أساس الحكم أم معضلة مُجمدة؟

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
null
بقلم أ. دانية عبد الهادي: البلاد تدخل في حالة فراغ قانوني خطير، تثار فيه تساؤلات مصيرية: كيف ستُدار الدولة؟ ما مصير المؤسسات التشريعية والتنفيذية؟ هل سيظل مجلس الشعب قائماً أم يُحل؟ كيف يمكن للوزارات والإدارات العامة أن تمارس مهامها دون غطاء دستوري؟


في خضم الأزمات السياسية والاجتماعية التي تعصف بسوريا، يتحول الحديث عن الدستور من كونه مجرد نقاش قانوني إلى جوهر الأزمة التي تواجه البلاد. فالدستور السوري، الذي يُعتبر العقد الاجتماعي الأعلى بين الدولة ومواطنيها، والإطار الذي يحدد ملامح الحكم وينظم الحقوق والواجبات، كان من المفترض أن يكون الحصن الذي يحمي البلاد من الفوضى والانقسام. إلا أن الأحداث المتسارعة والتغيرات الجذرية التي شهدتها سوريا حولته من أداة للاستقرار إلى عبء سياسي وقانوني يصعب تجاوزه.


الدستور ليس مجرد وثيقة صامتة؛ بل هو الهيكل الذي يحدد هوية الدولة، ويُرسي قواعد العلاقة بين مؤسساتها وشعبها. وعندما يُجمد العمل بالدستور، فإن البلاد تدخل في حالة فراغ قانوني خطير، تثار فيه تساؤلات مصيرية: كيف ستُدار الدولة؟ ما مصير المؤسسات التشريعية والتنفيذية؟ هل سيظل مجلس الشعب قائماً أم يُحل؟ كيف يمكن للوزارات والإدارات العامة أن تمارس مهامها دون غطاء دستوري؟ هذه التساؤلات ليست مجرد طروحات نظرية، بل هي معضلات عملية تهدد استقرار البلاد وتعرقل أي تقدم نحو إعادة بناء الدولة.


واليوم نقول إن غياب دستور نافذ يعني افتقار البلاد إلى مرجعية قانونية تحكم النزاعات، سواء بين الأفراد أو بين مكونات الدولة. والأخطر من ذلك أن غياب الدستور يُفقد أي قرارات حكومية أو عسكرية شرعيتها أمام الشعب وأمام العالم، مما يضع القيادة السياسية في مواجهة مباشرة مع حالة من انعدام الثقة الشعبية.وهذا الوضع، الذي قد يُفترض أنه مؤقت، يحمل في طياته خطراً دائماً يتمثل في تعزيز الانقسام وزيادة الفوضى، ليصبح الفراغ الدستوري عقبة حقيقية أمام بناء سوريا كدولة ذات سيادة وقانون.


برأينا أنه كان من الأجدر بالقيادة التي أعلنت تجميد الدستور أن تتعامل مع الأمر بحكمة قانونية وسياسية أكبر. فبدلاً من خلق فراغ قانوني يزيد من تعقيد المشهد، كان بالإمكان الإبقاء على العمل بالدستور القائم مع إدخال تعديلات مؤقتة تُعالج القضايا العاجلة وتضمن استمرارية عمل المؤسسات.

أيضاً كان يمكن صياغة دستور جديد بروية وتأنٍ، بعد مشاورات واسعة تشمل جميع مكونات الشعب السوري، ومن ثم عرضه للاستفتاء الشعبي بطريقة تضمن الشفافية والتوافق الوطني. أما أن يُجمد الدستور دون بديل جاهز، فهذا ليس إلا وصفة للفوضى السياسية والإدارية، تُثقل كاهل الشعب وتُعرقل عملية إعادة الإعمار.


إن سوريا اليوم بحاجة إلى رؤية شاملة لإدارة المرحلة الانتقالية، رؤية تُعيد العمل بالقانون جزئياً بما يضمن استمرار خدمات الدولة وحفظ حقوق المواطنين، بينما يتم العمل على إعداد دستور جديد يعكس تطلعات الشعب السوري ويُؤسس لدولة قائمة على العدالة والمساواة والحرية.

إن الدستور ليس مجرد نصوص تُكتب على عجل، بل هو حجر الأساس لبناء الدولة، ويجب أن يُعد بعناية وحرص، ليكون محل توافق الجميع.

في الختام نقول ، إن تجميد الدستور دون وجود بديل واضح يعكس أزمة عميقة في القيادة السياسية، أزمة لم تسهم إلا في تعميق معاناة الشعب السوري الذي أنهكته سنوات من الحرب والدمار. كان الأمل أن يتم التعامل مع هذه القضية بروح المسؤولية الوطنية، وبما يضمن وضع أسس متينة لمستقبل سوريا. فـ سورية تستحق دستوراً يُبنى على إرادة شعبها، دستوراً يُترجم تطلعاتهم ويُعيد لهم الأمل بدولة يسودها القانون والعدالة، دولة قادرة على النهوض من تحت ركام الظلم والفساد، لتفتح صفحة جديدة من الكرامة والاستقرار.

الاستاذة دانية عبد الهادي / عضو مؤسس اتحاد سوريا العهد الجديد

محامية وعضو في منظمة حقوق الإنسان، حاصلة على درجة البكالوريوس في القانون الدولي، وتتمتع بخبرة واسعة في الدفاع عن قضايا الحقوق المدنية والسياسية.

روابط التواصل

روابط التواصل


قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث