أزلام عصابة أسد، تجاوزا رحمة الشعب

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق
null

أ.د مرح الشاطري: مجرمو الحرب في سوريا، من جند وممولين ومُطبلين، هم من دمروا حياة الشعب، ولا يمكنهم الهروب من المحاسبة. المُصالحة الوطنية ليست لهؤلاء ولاتُبنى على غِل، العدالة هي السبيل الوحيد لاستعادة كرامة الوطن ومحاسبة من دعمهم، وإن صفح عنهم فرد فالشعب لن يصفح.

كانت تلك الليلة شديدة البرودة. الرياح تعصف بالخيام التي لا تكاد تصمد أمام قسوة الشتاء. الأطفال يرتجفون، والأمهات يحتضن أطفالهن كمن يحتضن بقايا وطن ضاع في غياهب الظلم. على بعد الكيلومترات، في قصور مترفة وأحياء فاخرة، كان مجرمو الحرب ومن يدعمهم يحتفلون، يرفعون كؤوسهم في نخب الانتصار. كيف يمكن لهذا التناقض أن يحدث؟ كيف يمكن لمن أشعلوا السيجار أن يشعلوا النار في بيوت السوريين، ومن باعوا البلاد بدعمهم للنظام، أن يهنؤوا بحياتهم؟

في قلب هذا المشهد، كانت ذاكرة المعتقلين تشتعل. هناك في ظلام الزنازين، حيث لا ضوء سوى أمل هش، كان الموت ضيفًا دائمًا. لم تكن الجدران الأربعة مجرد حدود، بل شواهد على صرخات دفنت في الظل. ظل حلمه الوحيد أن يرى وجه السماء مرة أخرى، أن يسمع صوت إسمه لا رقم زنزانته.

على الحدود، كان آخرون يقفون في طوابير طويلة. لا سقف يحميهم من المطر، ولا أرض تسعهم للراحة. كانت الحدود بوابة أمل لمن هربوا من جحيم القصف، لكنها تحولت إلى مكان آخر للذل. أمٌ تحمل طفلها المريض، وشابٌ يجر حقيبة تحوي ما تبقى من حياته، وشيخٌ لا يعلم إن كان سيصل إلى بر الأمان أم أنه سيدفن في قبرٕ بلا شاهدة إلى الأبد.

في المنازل التي ظلت قائمة وسط الركام، جلس كثيرون خائفين. الخوف كان سيد المكان. جارك قد يتحول إلى عين تراقبك، صديقك قد يصبح وشاية تأخذك إلى المعتقل. لا صوت يعلو فوق صوت القمع، وصوت صك الرِكاب.

ومع ذلك، فإن هذه القصة لم تنتهِ هنا. هناك في القلوب، في عيون الذين عانوا، وُلدت قناعة واحدة: العدالة ليست خيارًا بل ضرورة. لا يمكن لهؤلاء الذين دمروا حياة شعب بأكمله أن يعيشوا دون حساب. الذين قصفوا المنازل، وملأوا المعتقلات، وأجبروا الناس على الرحيل، ومن دعمهم بالمال والسلاح، وكانوا أدوات السلطه، يجب أن يُحاسبوا.

الشعب الذي عانى الجوع والبرد، الذي دفن أحبته، الذي فقد كل شيء، لن يقبل أن يرى جلاديه يسرحون ويمرحون وكأن شيئًا لم يكن. كيف يمكن لمجرمي الحرب أن يتنعموا بينما القبور شاهدة على كل ما فعلوه؟

هذا الشعب الذي رأى وطنه يُباع ويُنهب، لن يسامح ولن ينسى. العدالة ليست فقط شفاءً للجراح، لكنها وعدٌ للمستقبل. مستقبل لا مكان فيه للخوف ولا للمجرمين الذين سفكوا الدماء.

لن تكون سوريا الجديدة إلا وطناً يُحاسب فيه كل من أجرم بحق شعبها، وطنًا يستعيد كرامة من عاشوا في الخيام، ومن واجهوا الموت في المعتقلات، ومن حملوا جراحهم إلى المنافي.

في يوم قريب، ستُفتح الملفات، وستُحاسب الأيدي الملطخة بالدماء، وسيرفع هذا الشعب رأسه من جديد، لأنه الشعب الذي لم ينكسر رغم كل الألم.


بقلم : أ.د مرح الشاطري/ عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
أستاذة في القانون الدولي ودكتورة في القانون العام، متخصصة في دراسة المعاهدات الدولية، العلاقات بين الدول، وحل النزاعات الدولية، وعضو في منظمة العدل الدولية.

الكلمات المفتاحية: سوريا, العدالة, مجرمو الحرب, المصالحة, حقوق الإنسان, محاسبة, كرامة الوطن, الشعب السوري

روابط التواصل الاجتماعي

للمراسلات الإعلامية: info@newncu.site





قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث