الشرق الأوسط بين الأمس واليوم

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

أ. ريم النعمة: السياسة الجديدة التي تحتاجها المنطقة يجب أن ترتكز على تحقيق سلام داخلي واستراتيجي، سلام ينطلق من مصلحة الشعوب ويهدف إلى بناء مستقبل مبني على أهمية المصالحة الوطنية والعمل على تقوية الجبهة الداخلية بدلاً من إشعال النزاعات التي تستهلك مقدرات البلاد البشرية والاقتصادية.

المواطن بين ذكريات السلام وحلم العيش بطمأنينة

منذ الأزل، كانت منطقة الشرق الأوسط مسرحًا للحضارات العريقة والملاحم الإنسانية، حيث عاش سكانها فترات من الازدهار والسلام، مستمتعين بحياة هادئة ومستقرة. لمدن تعج بالحياة، الأسواق مكتظة، والعائلات تنعم بالأمان. ومع دخول الألفية الجديدة، بدا وكأن تلك الحياة السلمية قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح جزءًا من الماضي. فلم يكن يدرك المواطن العربي في العراق أو سوريا أو اليمن أن تلك الأيام التي عاشها وسط الطمأنينة، لن تكون سوى ذكريات تُلهمها الأحلام ليلاً، بعد أن أصبح الحاضر محفوفًا بالخوف والمعاناة، والمستقبل كأنه سرابٌ بعيدٌ في صحراءٍ لا نهاية لها، ليصبح سعي المواطن نحو الأمل بخطواتٍ مثقلة باليأس، وكلما اقترب من بصيص ضوءٍ، بدا وكأنه يتلاشى في الأفق، تاركًا وراءه تساؤلاتٍ عن المصير وما إذا كان السلام مجرد ذكرى، أم حلمًا قد يتحقق يومًا.

الشرق الأوسط قبل حرب العراق: حين كان السلام عنوانًا

قبل اندلاع حرب العراق في عام 2003، كان الشرق الأوسط، رغم بعض التحديات، يعيش نوعًا من الاستقرار النسبي. فقد كانت دول مثل العراق وسوريا ومصر تتمع ببنى تحتية قوية، واقتصادات متوسطة القوة، وحكومات، رغم استبداد بعضها، قادرة على توفير حد أدنى من الخدمات والأمان.

في ما مضى كان المواطن العربي، في عمومه، ينام مطمئنًا على سلامة عائلته ومستقبله، غير آبه بما يقوله المحللون السياسيون وما يأتي في المقالات البحثية.

ومع دخول القوى الغربية، وبدء الحروب التي عصفت بالمنطقة العربية، شهدت هذه البلدان تحولات جذرية في أنظمتها السياسية والاقتصادية، لم تكن حرب العراق سوى الشرارة التي أشعلت نيران الصراعات في الشرق الأوسط. فقد أدى انهيار الدولة العراقية وما تبعه من فراغ سياسي وأمني إلى تمهيد الطريق لظهور الجماعات المسلحة وانتشار الفوضى، ليس في العراق فحسب، بل في العديد من الدول المجاورة.

ما بين الحروب والمأساة الاقتصادية

لم يقتصر تأثير هذه الحروب على الناحية الأمنية فقط؛ فقد شهدت المنطقة العربية من تداعيات الحرب أزمات اقتصادية حادة، تزامناً مع تدمير البنية التحتية للعراق وسوريا، واندلاع الحرب في اليمن، لتتحول هذه الدول من اقتصادات نامية إلى اقتصادات منهارة. وتفاقمت الأزمة بفعل الفساد المستشري في الأنظمة السياسية، التي باتت عاجزة عن توفير أبسط الخدمات لمواطنيها.

بفعل هذا الدمار أصبحت الشعوب في هذه البلدان تعيش يوميًا على وقع الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو سياسية، فتدهور العملة وارتفاع الأسعار، إضافة إلى النزوح والهجرة، جعلت الحياة أكثر صعوبة. ومن تداعياتها زاد تفكك المجتمعات، وظهرت النزاعات الطائفية والإثنية كعوامل مدمرة إضافية. في ظل هذا الواقع، باتت فكرة السلام وعودة الاستقرار كأنها حلم بعيد المنال.

هل كتب على شعوب هذه المنطقة العيش بتعاسة وخوف؟

الإجابة ليست بسيطة. ومن المؤكد أن الأحداث الحالية لا تعكس جوهر شعوب المنطقة وتطلعاتها. فالإنسان بطبيعته يسعى إلى السلام والعيش الكريم. لكن المشكلة تكمن في الأنظمة السياسية المتهالكة التي أرقها دور المدافع، وأيضاً الصراعات الجيوسياسية التي باتت تستنزف مقدرات الدول.

فمع دخول قوى إقليمية ودولية على خط الصراع، باتت الحروب في الشرق الأوسط تشكل ساحة لتصفية الحسابات بين هذه القوى، بينما يظل المواطن البسيط هو الضحية، لا يعلم إلى أين ستحمله رياح الحرب المقبلة. يترقب مستقبله بقلق، متسائلاً عن مصير حياته وأسرته، غير مدرك إن كان عليه التمسك بما تبقى من أمل، أو الرضوخ لواقعٍ يزداد ظلاماً يوماً بعد يوم.

وبينما تتلاعب القوى الكبرى بمصائر الدول، يعيش المواطن في حالة من الانتظار القاتل، بين حلمٍ بالسلام وكابوسٍ مستمر من الفوضى والعنف.

ما الحل للعودة إلى زمن الطمأنينة؟

العودة إلى السلام في الشرق الأوسط ليست مسألة أمنية فقط، بل هي مسألة سياسية بامتياز. فلا يمكن تحقيق الاستقرار دون تغيير جذري في نهج السياسة المتبع في الدول التي أصابها الضرر، والمطلوب اليوم هو مراجعة عميقة في "المطابخ السياسية"، حيث يجب على صناع القرار أن يدركوا أن استمرار التمسك بالفكر السياسي القديم ، والإعتماد على النهج الكهل، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانحدار.

اليوم وبلسان كل مواطن نقول: لقد آن الأوان لتجاوز السياسات المبنية على الحسابات الضيقة والأحقاد التاريخية التي تغذيها القوى الخارجية وتتدخذها سبباً في المضي بـ إجرامها، فهذه الأحقاد لم تجلب إلا الدمار والخراب.

السياسة الجديدة التي تحتاجها المنطقة يجب أن ترتكز على تحقيق سلام داخلي واستراتيجي، سلام ينطلق من مصلحة الشعوب ويهدف إلى بناء مستقبل مبني على أهمية المصالحة الوطنية والعمل على تقوية الجبهة الداخلية بدلاً من إشعال النزاعات التي تستهلك مقدرات البلاد البشرية والاقتصادية.

أما إن بقي الاستمرار في النهج الحالي سائدا فلن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمات؛ فلا القوة ستظل قائمة إلى الأبد، ولا الموارد البشرية واللوجستية يمكن أن تصمد في ظل استنزاف مستمر، وسيظل المواطن يدور في حلقة مفرغة من العنف والفوضى.

ومابين بين ذكريات الماضي وأحلام المستقبل، يقف العربي في البلدان التي عصفت بها الحروب في موقف صعب. بالتأكيد السلام ليس مجرد حلم، بل هو ضرورة، ويجب على الجميع – حكومات وشعوبًا ومجتمعًا دوليًا – أن يعملوا معًا لتحقيقه. فالشعوب التي عاشت لقرون طويلة في سلام، لا بد أن تجد طريقها إلى الطمأنينة من جديد.


أ. ريم النعمة / عضو اتحاد سوريا العهد الجديد 
صحفية وإعلامية سورية وعضو في الاتحاد الوطني للصحفيين البريطانيين (NUJ). درست في جامعة لاهاي الدولية في لندن وحصلت على درجة البكالوريوس في العلاقات العامة والاتصالات من جامعة وستمنستر. بالإضافة إلى ذلك، هي مدربة إعلامية معتمدة من وكالة (Associated Press)  الأمريكية.

روابط التواصل الاجتماعي





قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث