تعتبر روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين في المشهد السوري منذ تدخّلها العسكري عام 2015 لدعم بقاء بشار الأسد. ومع تغيّر المعادلات الإقليمية والدولية وفرار العصابة الحاكمة، تتزايد التساؤلات حول الأسباب التي تدفع موسكو إلى التمسك بصيغة أستانا، حتى في حال غياب أسد عن المشهد السياسي السوري.
صيغة أستانا: أداة نفوذ متعددة الأطراف
أستانا ليست مجرد منصة للحوار السوري-السوري، بل هي أداة دبلوماسية طوّرتها روسيا لتحقيق مصالحها الإقليمية. عبر هذه الصيغة، ضمنت موسكو دوراً قيادياً في رسم مستقبل سوريا دون أن تكون خاضعة للهيمنة الغربية أو قرارات الأمم المتحدة.
تمسّك روسيا بهذه الصيغة عكس رغبتها في الحفاظ على نفوذها في سوريا، وبحسب رؤية روسيا فإن أستانا تلعب دوراً حيوياً في:
1. ضمان الحلول السياسية التي تخدم مصالحها: صيغة أستانا تسمح لموسكو بالتحكم في مسار المفاوضات وتجنب أي حلول مفروضة من الغرب.
2. إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع تركيا وإيران: روسيا تستفيد من الشراكة مع هاتين الدولتين لموازنة نفوذ الأطراف الأخرى في المنطقة.
ما الذي يدفع روسيا للبقاء؟
حتى في غياب الأسد، فإن مصالح روسيا في سوريا لا تعتمد على شخص الرئيس بل على الموقع الاستراتيجي للبلاد.
- المصالح العسكرية: القواعد الروسية في طرطوس وحميميم تُعتبر أساسية لضمان الوصول إلى البحر المتوسط، وهو أمر استراتيجي بالنسبة لموسكو لتعزيز وجودها العسكري والبحري في الشرق الأوسط.
- النفوذ الإقليمي: سوريا تمثل نقطة ارتكاز روسية لممارسة نفوذها في المنطقة والتأثير في السياسات الإقليمية.
- الاقتصاد وإعادة الإعمار: تسعى روسيا لضمان الحصول على عقود اقتصادية كبيرة في مشاريع إعادة الإعمار والتنقيب عن الموارد الطبيعية في سوريا، وهو ما يحقق لها مكاسب اقتصادية وسياسية.
هل تحاول روسيا كسب أي شيء للبقاء في سوريا؟
التمسك بصيغة أستانا يعكس محاولة روسيا لتأمين شرعية بقائها في سوريا حتى في حال تغيّر النظام. فموسكو تدرك أن الحفاظ على دورها في التسوية السياسية يمنحها أوراق قوة، سواء عبر التنسيق مع الفاعلين الدوليين أو ضمان دعم أطراف محلية داخل سوريا.
كما أن روسيا تستخدم صيغة الحوار الإنساني كورقة لتحسين صورتها الدولية، حيث تسعى لتحويل قواعدها العسكرية إلى مراكز مؤقتة للإغاثة الإنسانية. هذا التحرك الذي شددت روسيا على وجوده يظهرها كفاعل إنساني إلى جانب كونها شريكاً عسكرياً وسياسياً.
ختاماً ، تمسّك روسيا بصيغة أستانا ينبع من رغبتها في تعزيز مصالحها الاستراتيجية وضمان دورها المستقبلي في سوريا، بغض النظر عن طبيعة النظام الحاكم. بالنسبة لموسكو، فإن البقاء في سوريا ليس مسألة دعم شخص معين بل تأكيد على نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، وهي مستعدة لاستخدام جميع الأدوات الممكنة لتحقيق هذا الهدف.
إرسال تعليق