
بقلم أ. راما عبد الرحيم عتيق: ضرورة إصلاح القطاع التعليمي لدعم الأطفال الذين حرموا من التعليم
منذ بداية المأساة في سوريا، أصبح التعليم أحد أكبر الضحايا في هذه الطويلة التي مرت على سوريا. ملايين الأطفال السوريين عاشوا سنوات دون تعليم، بينما وجد آخرون أنفسهم في مدارس لا تستخدم لغتهم الأم، مما تسبب في فجوة تعليمية وثقافية عميقة. اليوم، ومع بداية تعافي سوريا من آثار ما خلفه النظام البائد، تبرز قضية التعليم كأولوية مطلقة لإعادة بناء الوطن.
التعليم في سوريا: تركة الحرب الثقيلة
تسببت الحرب السورية في دمار كبير طال البنية التحتية التعليمية. الآلاف من المدارس تعرضت للدمار أو تحولت إلى ملاجئ للنازحين، وأصبح المعلمون والطلاب على حد سواء ضحايا لاجرام الآلة الحربية أو نازحين داخلياً وخارجياً.
ووفقاً للتقارير الدولية، أكثر من 2.8 مليون طفل سوري حُرموا من التعليم خلال سنوات الثورة السورية ضد نظام القمع والإجرام. وبالنسبة للأطفال الذين تمكنوا من الالتحاق بالمدارس، واجهوا تحديات كبيرة، أبرزها:
1. تعلم لغات أخرى: بسبب النزوح إلى دول الجوار مثل تركيا ولبنان، تلقى مئات الآلاف من الأطفال تعليمهم بلغات غير العربية، مما أدى إلى انقطاعهم عن ثقافتهم ولغتهم الأم.
2. انخفاض جودة التعليم: في المناطق التي ظلت تعمل فيها المدارس، كان هناك نقص كبير في المعلمين المؤهلين والمواد التعليمية المناسبة.
3. التعليم في ظروف غير آمنة: اضطر الأطفال إلى التعلم في مناطق تشهد قصفاً مستمراً أو ضمن بيئات غير صحية ومكتظة.
التعليم مفتاح إعادة الإعمار وبناء سوريا الجديدة
لا يمكن أن تكون هناك نهضة حقيقية لسوريا في العهد الجديد دون إصلاح جذري في قطاع التعليم. فالتعليم هو العمود الفقري لأي مجتمع مستدام، وهو الضامن الأساسي لبناء أجيال قادرة على قيادة البلاد نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
في هذا السياق، يُعد التعليم أداة أساسية لعدة أمور حيوية:
- ردم فجوة الأمية: يجب أن يتلقى كل طفل سوري تعليماً أساسياً عالي الجودة لتعويض ما فاتهم.
- إعادة بناء الهوية الوطنية: التعليم باللغة العربية وبمناهج وطنية متطورة يمكن أن يعيد للأطفال شعورهم بالانتماء والهوية بعد سنوات من الضياع الثقافي.
- تعزيز الوحدة الوطنية: يمكن للتعليم أن يكون جسراً يربط بين مكونات الشعب السوري، ويعزز قيم التسامح والتعايش السلمي.
- خلق فرص اقتصادية: التعليم الجيد يمكّن الأجيال القادمة من الانخراط في سوق العمل وبناء اقتصاد قوي ومستدام.
وفي إطار الجهود المبذولة لإعادة بناء سوريا الجديدة، يضع اتحاد سوريا العهد الجديد التعليم في الأولويات. لكوننا ندرك أن إصلاح التعليم هو بوابة التغيير الحقيقي، ولهذا نعمل على دعم فكرة:
1. تطوير نموذج تعليمي جديد يعيد الأطفال السوريين إلى مقاعد الدراسة ويواكب احتياجات العصر.
2. دعم اللغة والثقافة الوطنية من خلال تعزيز التعليم باللغة العربية مع تقديم مناهج حديثة تنمي المهارات الإبداعية والتفكير النقدي لدى الطلاب.
3. التعاون مع حكومة الإنقاذ السورية بأن ندعم أي خطة وطنية تُطلقها حكومة الإنقاذ لإصلاح قطاع التعليم، ونشارك في تقديم الخبرات والموارد اللازمة لتحقيق ذلك.
4. تأهيل المعلمين والاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر التعليمية لضمان تقديم تعليم عالي الجودة.
5. إعادة بناء المدارس وتوجيه المؤسسات الدولية لدعم مشاريع ترميم المدارس وتوفير بيئة تعليمية آمنة وصحية للطلاب.
رؤية لما بعد التحرير: التعليم كأولوية وطنية
مع انتهاء المأساة السورية وبدء تعافي البلاد، يجب أن يكون التعليم محوراً أساسياً في استراتيجية إعادة الإعمار من خلال التخطيط الاستراتيجي ووضع خطط تعليمية طويلة الأمد تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة. بالإضافة الى توفير التمويل اللازم لتأمين الموارد المالية لدعم بناء المدارس وتأهيل الكوادر وتوفير الكتب والمناهج. ونهاية بإشراك المجتمع كاملاً من الأهالي والمجتمع المدني في دعم العملية التعليمية وتعزيز قيم التعليم.
التعليم هو أمل سوريا
في سوريا بعهدها الجديد، يجب أن يكون التعليم أكثر من مجرد حق للأطفال؛ بل يجب أن يكون المشروع الوطني الذي تتكاتف حوله كل الجهود. ولأن إعادة الأطفال السوريين إلى المدارس، ومنحهم فرصة التعلم بلغتهم وثقافتهم، ليست مجرد خطوة لإصلاح الماضي، بل هي استثمار في مستقبل يعمه السلام والازدهار.
نحن كـ اتحاد سوريا العهد الجديد نؤمن بأن التعليم هو مفتاح التغيير. ومن خلال دعم خطط حكومة الإنقاذ في هذا القطاع، نعمل معاً لبناء جيل جديد من السوريين القادرين على إعادة بناء وطنهم. سوريا ستقف من جديد، والتعليم هو الأساس الذي ستبنى عليه هذه النهضة.
أ. راما عبد الرحيم عتيق/ عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
مدرسة لغة عربية، حاصلة على درجة الماجستير في الأدب العربي، تتمتع بخبرة واسعة في تدريس اللغة العربية وتطوير المناهج التعليمية. تسعى من خلال عملها إلى تعزيز الفهم العميق للغة العربية وثقافتها، كما تركز على تطوير مهارات الطلاب في التفكير النقدي والكتابة الأدبية.

إرسال تعليق