بقلم أ. راكان العريضي: مأساة الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي وحكايات المفقودين
"لا يمكن بناء مستقبل لسوريا دون مواجهة ماضيها"
ليلة بلا فجر
"في يوم من الأيام، كان أحمد هنا"، تقول أم أحمد، وهي تمسك بصورة باهتة لابنها الذي خرج من المنزل منذ سنوات ولم يعد. أحمد، مثل كثيرين من شباب الثورة، تم اعتقاله من منزله في ساعة مبكرة من الفجر. أُخذ دون تهمة أو محاكمة، ومثل آلاف المعتقلين الآخرين، لم يعرف أحد مكانه منذ ذلك اليوم.
لم تكن قصة أحمد استثناءً. خلال السنوات الماضية، فقد اختفى عشرات الآلاف من الرجال والنساء، ومن مختلف الأعمار، تحت مسمى "الإجراءات الأمنية". كثير من هؤلاء تم اقتيادهم من الشوارع أو نقاط التفتيش، بينما تم استهداف آخرين بسبب نشاطهم السياسي أو الإغاثي أو حتى لأسباب واهية كالتشابه في الأسماء.
ومع فرار النظام وعصابته من سوريا، ظهرت الحقيقة المرعبة. عندما تم تحرير المراكز الأمنية، والسجون التي تلخصت صورتها بـ المسلخ البشر "سجن صيدنايا"، فقد عثر السكان على مئات الوثائق التي توثق أسماء المعتقلين والمفقودين. وبعض هذه الوثائق كانت تحتوي على قوائم بالأسماء، وتقارير عن التحقيق، وأحياناً شهادات وفاة داخل السجون.
تقول ليلى رماح، إحدى الناجيات من الاعتقال: "رأيت زميلاتي يُقتلن أمامي، لكن أسماءهن كانت تُمحى وكأنهن لم يُوجدن قط. اليوم، عندما أسمع عن هذه الوثائق، أشعر أن صوتهن قد يعود للحياة".
هذه الوثائق، التي تكشف عن جزء بسيط من الحقيقة، تحتاج إلى عمل منظم لجمعها وتصنيفها، لكونها الدليل الحي على الجرائم المرتكبة، وأساس لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وأمل جديد لـ أولئك الذين ينتظرون أي خبر عن أحبتهم.
لم تكن قصة أحمد استثناءً. خلال السنوات الماضية، فقد اختفى عشرات الآلاف من الرجال والنساء، ومن مختلف الأعمار، تحت مسمى "الإجراءات الأمنية". كثير من هؤلاء تم اقتيادهم من الشوارع أو نقاط التفتيش، بينما تم استهداف آخرين بسبب نشاطهم السياسي أو الإغاثي أو حتى لأسباب واهية كالتشابه في الأسماء.
ومع فرار النظام وعصابته من سوريا، ظهرت الحقيقة المرعبة. عندما تم تحرير المراكز الأمنية، والسجون التي تلخصت صورتها بـ المسلخ البشر "سجن صيدنايا"، فقد عثر السكان على مئات الوثائق التي توثق أسماء المعتقلين والمفقودين. وبعض هذه الوثائق كانت تحتوي على قوائم بالأسماء، وتقارير عن التحقيق، وأحياناً شهادات وفاة داخل السجون.
تقول ليلى رماح، إحدى الناجيات من الاعتقال: "رأيت زميلاتي يُقتلن أمامي، لكن أسماءهن كانت تُمحى وكأنهن لم يُوجدن قط. اليوم، عندما أسمع عن هذه الوثائق، أشعر أن صوتهن قد يعود للحياة".
هذه الوثائق، التي تكشف عن جزء بسيط من الحقيقة، تحتاج إلى عمل منظم لجمعها وتصنيفها، لكونها الدليل الحي على الجرائم المرتكبة، وأساس لمحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، وأمل جديد لـ أولئك الذين ينتظرون أي خبر عن أحبتهم.
مسؤولية جمع الأدلة وملاحقة المجرمين
اليوم، مع تحرير سوريا وهرب الطغمة الحاكمة، أصبح من الضروري الإسراع في:
1. أرشفة الوثائق الأمنية: الإسراع في جمع الوثائق التي تم العثور عليها في المراكز الأمنية قبل فقدانها أو تلفها نتيجة الفوضى. وإنشاء قاعدة بيانات شاملة تضم كل هذه الأوراق، مع تصنيفها وتحليلها لتوفير أدلة موثوقة على الجرائم المرتكبة.2. توثيق الشهادات: تنظيم لقاءات ميدانية ومنصات إلكترونية للاستماع إلى الناجين من المعتقلات وأسر المفقودين، لتسجيل رواياتهم بأدق التفاصيل. هذا التوثيق لا يشكل فقط سجلاً تاريخياً للانتهاكات، بل يُعتبر أداة أساسية لدعم ملفات القضايا أمام المحاكم المحلية والدولية.
3. ملاحقة المسؤولين: تعقب الضباط والمسؤولين الذين تورطوا في إصدار أو تنفيذ أوامر الاعتقال والتعذيب. واستخدام الوثائق والشهادات لدعم تحقيقات قانونية وإصدار مذكرات توقيف دولية، مع التأكيد على ضرورة التنسيق مع الجهات القانونية لضمان عدم إفلات المجرمين من العقاب.
4. العمل الدولي: تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية والمحاكم المختصة لضمان تحقيق العدالة للضحايا. فمن الضروري تقديم الملفات الموثقة إلى الهيئات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية أو لجان الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، مع الاستفادة من الدعم الدولي لتحقيق محاكمات عادلة وشفافة.
وبدورنا نحن كـ اتحاد سوريا العهد الجديد نضع هذه المهمة ضمن أولوياتنا. ونعمل بالتعاون مع المؤسسات الحقوقية، على بناء أرشيف وطني يهدف إلى توثيق كل حالة اختفاء واعتقال، وضمان إيصال هذه القضايا إلى المحاكم الدولية.
حكومة الإنقاذ السورية ودعم المفقودين
في إطار الجهود المبذولة لبناء سوريا في عهدها الجديد، ندعم أي خطة تتبناها حكومة الإنقاذ السورية فيما يتعلق بالمفقودين والمعتقلين. ونقول إن هذه القضية ليست مجرد مطلب إنساني، بل هي أساس لتحقيق المصلحة الوطنية .
لهذا فإن الحكومة مدعوة لتبني سياسات واضحة تشمل:
- إنشاء لجنة وطنية للبحث عن المفقودين وتحديد مصيرهم.
- دعم عائلات المفقودين نفسياً واقتصادياً.
- توسيع التعاون مع الدول الداعمة لقضية المعتقلين والمختفين السوريين.
من الألم إلى الأمل: الطريق نحو العدالة
إن الوصول إلى العدالة يتطلب مواجهة الماضي بشجاعة. على سوريا في عهدها الجديد أن تواجه الحقائق، مهما كانت مؤلمة، لتحقق المصلحة لـ أبنائها. لا يمكن بناء وطن مستقر دون ضمان حقوق الضحايا ومحاسبة المجرمين.
إن الوصول إلى العدالة يتطلب مواجهة الماضي بشجاعة. على سوريا في عهدها الجديد أن تواجه الحقائق، مهما كانت مؤلمة، لتحقق المصلحة لـ أبنائها. لا يمكن بناء وطن مستقر دون ضمان حقوق الضحايا ومحاسبة المجرمين.
سوريا اليوم تحتاج إلى أكثر من إعادة إعمار البنية التحتية؛ تحتاج إلى إعادة بناء ثقة شعبها في العدالة والإنسانية. و الاختفاء القسري ليس مجرد مأساة لعائلات الضحايا، بل هو وصمة عار على جبين كل من يتجاهل العدالة. فلنعمل معاً، من أجل سوريا لا تضيع فيها الأرواح هباءً، ومن أجل وطن يحترم كل إنسان فيه.
"لن أفقد الأمل"، تقول أم أحمد، التي تمسك صورة ابنها بحنان. "حتى لو لم يعد، أريد أن أعرف الحقيقة. أريد أن يحاسب من تسبب في اختفائه، وأريد أن أعرف أين قبره".

"لن أفقد الأمل"، تقول أم أحمد، التي تمسك صورة ابنها بحنان. "حتى لو لم يعد، أريد أن أعرف الحقيقة. أريد أن يحاسب من تسبب في اختفائه، وأريد أن أعرف أين قبره".
أ. راكان العريضي / عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
محامٍ وناشط بارز في مجال حقوق الإنسان، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي، مع تخصص دقيق في العدالة الانتقالية وآليات المحاسبة على الجرائم ضد الإنسانية. يتمتع بخبرة واسعة في توثيق الانتهاكات الحقوقية وملاحقة مرتكبي الجرائم عبر القنوات القانونية الدولية، بالإضافة إلى عمله في تطوير مشاريع تهدف إلى تعزيز سيادة القانون وبناء نظم عدالة شاملة في مرحلة ما بعد النزاعات.

إرسال تعليق