بقلم أ.د فاتح رجوان : مقال يحكي عن واقع الشعب السوري وتجربته مع الظلم والقمع السياسي، مع تسليط الضوء على العلاقة بين الضغوط النفسية والسياسات القمعية التي مارسها النظام المستبد، والتي أدت إلى انفجار شعبي ومطالبات بإسقاط النظام.
الحكاية السورية بين الظلم والانفجار الشعبي
في قلب الشرق الأوسط، حيث تعيش شعوب عريقة جذورها ممتدة في التاريخ، حيث كانت سوريا رمزاً للكرامة والصمود. لكنها أيضاً أصبحت رمزاً لمعاناة شعبٍ عانى عقوداً من القمع والظلم. العدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار يُرفع في الساحات، بل هي توازن حساس يجمع بين حاجات الإنسان النفسية وكرامته، وبين السياسات التي تصنع له الأمان أو تدفعه نحو الهاوية. وفي الحالة السورية، كان غياب العدالة وانتهاك حقوق الإنسان شرارة الانفجار الشعبي الذي هز أركان النظام.
فـ القمع كصورة للظلم النفسي هو آلة ثقيلة تُطحن تحتها الأحلام والتطلعات. وفي سوريا، ارتكزت السياسات القمعية للنظام البائد على التهميش، التفرقة، ونشر الخوف. هذا القمع المتواصل ليس مجرد أدوات سياسية، بل هو هجوم مباشر على النفس البشرية، حيث يعيش الفرد تحت وطأة التهديد اليومي، فاقداً للأمل في أي تغيير.
عقودٌ من القوانين الطارئة، القبضة الأمنية الحديدية، والتعذيب في السجون، خلقت ما يُعرف في علم النفس بـ"الصدمة الجمعية"، وهي حالة تعيشها شعوب بأكملها عندما تصبح الكرامة مجرد وهم، والحرية حلماً مستحيلاً.
الظلم وقود للانفجار الشعبي
كما أن الضغط النفسي يولّد الانفجار في الأفراد، فإن القهر السياسي يولّد الثورات في الشعوب. في سوريا، كان مشهد القمع السياسي يتراكم في قلوب الناس كبركان خامد. وأغلب الدراسات النفسية تؤكد أن استمرار الظلم لفترات طويلة يؤدي إلى شعور جماعي بالإحباط والغضب، ما يُشعل الحركات الاحتجاجية.
في سوريا لحظة الانفجار الشعبي في 2011 لم تكن وليدة اللحظة. بل كانت نتاج سنوات من الإقصاء والحرمان. حيث مثلت الصور القادمة من درعا، شرارة أشعلت مشاعر الغضب الكامنة لدى المجتمع السوري ككل.
حيث كان كانت رد الفعل الشعبي هو الشعور بالانتهاك. تماماً كما يقول علماء النفس: عندما يتعرض الإنسان لضغوط غير محتملة، يتحول الألم إلى قوة داخلية تطالب بالتغيير.
دور القمع في سقوط حكم العصابة الحاكمة
النظام السوري لم يدرك أن سياساته القمعية كانت تُعمّق الجراح النفسية للشعب، وتُحوّلهم من أفرادٍ خائفين إلى جماعة متماسكة تطالب بالحرية. فـ القتل والتعذيب والدمار لم يُخمد الثورة، بل أجّجها، حيث وجد الناس أن لا خيار لهم سوى الكفاح حتى النهاية.
وهنا نؤكد أن القمع السياسي يشبه بناء سدٍ على نهر متدفق؛ كلما زاد الضغط، كان الانفجار حتمياً. وهذا ما حدث مع الشعب السوري. سنوات طويلة من الظلم جعلت المطالب الأولية بالإصلاح تتحول إلى مطالب بإسقاط النظام بأكمله.
العدالة كحلم وأمل
اليوم، وبينما لا تزال سوريا تعيش تداعيات السنوات التي مرت، تبقى العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان الحلم الذي يتطلع إليه السوريون. العدالة ليست مجرد قوانين تُسنّ، بل هي إعادة بناء ثقة مفقودة بين الشعب والنظام، وإزالة الجروح النفسية التي تركها القمع.
الحكاية السورية ليست مجرد قصة سياسية، بل درسٌ عميق عن العلاقة بين النفس البشرية والسياسة. فعندما تغيب العدالة، وتُنتَهك الحقوق، لا يمكن للنظام أن يستمر طويلاً، لأن الإنسان بطبيعته لن يقبل العيش في الظل إلى الأبد.
في النهاية، الشعب السوري، رغم كل الجراح، أثبت أن الكرامة لا تُسحق، وأن الصوت الذي يطالب بالحرية أقوى من أي آلة قمع. وهذا هو المعنى الحقيقي للعدالة الإنسانية.
أ.د فاتح رجوان / عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
طبيب نفسي متخصص في تشخيص وعلاج الاضطرابات النفسية والعاطفية، باستخدام أساليب علاجية مثل العلاج السلوكي المعرفي والأدوية. يسعى لتحسين الصحة النفسية للمرضى من خلال فهم عميق لاحتياجاتهم العاطفية والسلوكية ودعمهم في التغلب على التحديات النفسية.

إرسال تعليق