الأستاذ فايز دقماق يكتب: لا يمكن بناء سوريا الجديدة دون العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، فبدونهما ستبقى الدولة كيانًا هشًا ينهار مع أول أزمة سياسية أو شعبية.
في الطرف الآخر من المدينة، يجلس شاب بقدم مبتورة يدعى "عامر"، كان مقاتلًا سابقًا في الجيش الحر، يحمل كومة أوراق تتحدث عن "المصالحة الوطنية"، لكنه لا يستطيع نسيان يوم أُحرقت قريته، يوم فرَّت أمه ولم يعُد يسمع عنها شيئًا. يتساءل: كيف تُطوى صفحة الماضي دون أن تُكتب الحقيقة كاملة؟
العدالة الانتقالية: حجر الأساس المفقود
ليست العدالة الانتقالية مجرد محاكمات أو تعويضات مادية، بل هي منظومة متكاملة تشمل كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، وضمانات عدم التكرار. في سوريا القديمة، حيث تشابكت النزاعات وازدادت الانقسامات، تبدو العدالة الانتقالية السبيل الوحيد لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع تحت مسمى سوريا العهد الجديد.
في غيابها، لن يكون هناك عقد اجتماعي جديد، بل مجرد هدنة مؤقتة، سرعان ما تنفجر عند أول أزمة. فكيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية عادلة دون محاسبة مجرمي الحرب؟ كيف يمكن تحقيق الاستقرار دون رد الاعتبار لضحايا التعذيب والاختفاء القسري؟ العدالة ليست انتقامًا، بل هي ضرورة لبناء دولة تحتكم إلى القانون لا إلى منطق الغلبة.
غياب العدالة يزرع بذور الصراع القادم
ما لم يتم تحقيق العدالة، سيظل السلم الأهلي مجرد شعار هش، سيتحول إلى قنبلة موقوتة تنتظر لحظة الانفجار. فالسلم الأهلي لا يعني فقط إعلان سوريا دولة حرة، بل يتطلب إعادة بناء الثقة، وإنشاء المؤسسات الأمنية والقضائية، وإعادة دمج المجتمعات التي مزقتها الحرب.
في تجارب دولية مثل جنوب إفريقيا ورواندا، كان السلم الأهلي مرتبطًا بوجود آليات للمحاسبة وجبر الضرر، لا بمجرد دعوات إلى "نسيان الماضي". فالنسيان القسري لا يبني الأوطان، بل يؤجل الانفجار القادم. في سوريا الجديدة، إذا لم تُستعاد حقوق المظلومين، وإذا لم يُحاسب من انتهك كرامة الإنسان، فسنجد أنفسنا أمام دورة جديدة من العنف، مهما بدت الصورة مستقرة للحظة.
الحقيقة قبل المصالحة.
ختما؛ عندما خرج "أبو ياسين" من أمام المبنى الحكومي، نظر إلى "عامر"، وكأنهما يعلمان أن مستقبلهما مرتبط بقدرتهما على مواجهة الماضي. لا يمكنهما أن يمضيا إلى الغد دون أن يواجها الأمس. في سوريا الجديدة، لن يكون هناك سلام شعبي دون عدالة، ولن تكون هناك دولة سالمة دون حق . فإما أن يُبنى الوطن على أسس صلبة، أو يُترك ليكون كيانًا هشًا، ينتظر لحظة الانهيار التالية.
الأستاذ المحامي فايز دقماق / عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
لا يمكن بناء سوريا الجديدة على أنقاض المظلومية الجماعية. فأي دولة لا تقوم على العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، ستكون مجرد بناء هش، سرعان ما ينهار عند أول اختبار سياسي أو شعبي. و تغييب الحقيقة، ودفن الجراح تحت ركام "التوافقات المؤقتة"، لا يصنع سلامًا دائم، بل يؤجل الصدام القادم.
ختما؛ عندما خرج "أبو ياسين" من أمام المبنى الحكومي، نظر إلى "عامر"، وكأنهما يعلمان أن مستقبلهما مرتبط بقدرتهما على مواجهة الماضي. لا يمكنهما أن يمضيا إلى الغد دون أن يواجها الأمس. في سوريا الجديدة، لن يكون هناك سلام شعبي دون عدالة، ولن تكون هناك دولة سالمة دون حق . فإما أن يُبنى الوطن على أسس صلبة، أو يُترك ليكون كيانًا هشًا، ينتظر لحظة الانهيار التالية.
الأستاذ المحامي فايز دقماق / عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
أستاذ في القانون الدولي وعمل على تطوير الأبحاث القانونية في مجالات حقوق الإنسان، العدالة الانتقالية، القانون الجنائي الدولي. ساهم في تقديم الاستشارات القانونية للمنظمات الدولية، وتمثيل القضايا أمام المحاكم الدولية. وشارك في مؤتمرات دولية حول العدالة والسلام.
إرسال تعليق