أ. رامي جابر : في خضم التعقيدات السياسية والأمنية التي تعصف بالساحة السورية، يبرز اسم أحمد الشرع كأحد الشخصيات المحتملة لقيادة سوريا لما بعد المرحلة الانتقالية في البلاد. غير أن قبول الشرع دوليًا، واستعادة الشرعية الكاملة لسوريا، ورفع العقوبات الدولية عنها، يبقى مرهونًا بمعالجة ملف القوات التي تصنف على قوائم الإرهاب الدولية، خاصة فيما يتعلق بوجود الجماعات الجهادية الأجنبية، وعلى رأسها تنظيم حراس الدين.
حراس الدين: العقدة الأصعب في الملف السوري
تأسس تنظيم حراس الدين عام 2018 كفرع مرتبط بتنظيم القاعدة في سوريا، وضمّ في صفوفه مقاتلين أجانب ومحليين، مما جعله لاعبًا رئيسيًا في المشهد الجهادي داخل البلاد. وباعتباره إحدى القوى المسلحة الرافضة لأي تسوية سياسية، تحول التنظيم إلى عقبة أساسية أمام أي محاولة لإعادة سوريا إلى المشهد الدولي ما قبل 2011. ولذلك، فإن إنهاء وجوده أو تحييده أصبح شرطًا رئيسيًا لإعادة الاستقرار وإطلاق أي عملية سياسية حقيقية في البلاد.
القضاء على القيادات الجهادية
في الأسابيع الأخيرة، كثفت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية ضد قيادات حراس الدين، في خطوة واضحة تستهدف إضعاف التنظيم قبل أي تحول سياسي محتمل في سوريا. ففي 15 فبراير 2025، نفذت القيادة المركزية الأمريكية ضربة جوية دقيقة في شمال غرب سوريا، أسفرت عن مقتل مسؤول بارز في الشؤون المالية واللوجستية للتنظيم. وبعد أقل من أسبوع، في 22 فبراير، أعلنت القيادة المركزية عن مقتل وسيم تحسين بيرقدار، أحد كبار قادة التنظيم، في غارة جوية مماثلة. هذه العمليات أشارت بوضوح إلى أن ملف الجهاديين في سوريا لم يعد يقتصر على التهديدات المحلية، بل أصبح شرطاً وجزءًا من معادلة دولية تهدف إلى إعادة هيكلة المشهد السوري سياسيًا وأمنيًا.
القيادة مرهونة بالحسم الأمني
أحمد الشرع الرئيس الحالي لسوريا في المرحلة الانتقالية والقائد الجهادي السابق يرتبط وجوده في المشهد السياسي السوري بشكل مباشر بضمانات يقدمها المجتمع الدولي حول التزام سوريا بأمن المنطقة. فطالما بقيت جماعات مثل "حراس الدين" نشطة، فإن ذلك سيبقي الشرع وسوريا تحت طائلة العقوبات والملاحقات الدولية، مما يعني أن تغيير السلطة لن يكون له أي تأثير فعلي، وسيبقى الشرع ضمن القوائم السوداء إلى الأبد. لذلك، فإن القضاء على هذه الجماعات أو تحييدها يعد خطوة أساسية لكسب الشرعية الدولية وتجنيب سوريا المعاناة.
وبعبارة أخرى، أي تهاون أو دعم لهذه الجماعات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، سيجعل الوضع في سوريا كما هو، وكأن الأسد لا يزال في السلطة من حيث معاناة الشعب بسبب العقوبات الدولية. وبالتالي، فإن معالجة هذا الملف لم تعد مسألة خيار سياسي، بل أصبحت شرطًا أساسيًا لأي مستقبل سياسي مقبول لسوريا.
سيناريوهات ، ماذا بعد؟
بالرغم من إعلان تنظيم "حراس الدين" عن حلّه في 28 يناير/كانون الثاني 2024، إلا أن القيادة الأمريكية لا تزال تشعر بالقلق إزاء نشاط هذا النوع من التنظيمات الأيديولوجية العابرة للحدود. فحلّ التنظيم قد يمنحه فرصة لإعادة التموضع والحفاظ على وجوده دون إثارة ردود فعل دولية عنيفة. وفي ظل هذه الضغوط المتزايدة، يجد مقاتلو "حراس الدين" أنفسهم أمام خيارات محدودة:
1. ترك أحمد الشرع يمضي بمشروعه الرئاسي، و مغادرة سوريا إلى مناطق نزاع أخرى، كما فعلت قيادات جهادية سابقة بعد خسارة تنظيم "داعش" لنفوذه في العراق وسوريا.
2. التصادم مع قياديي النصرة سابقا وقائدها السابق أحمد الشرع ويتم إعلان دولة خلافة إسلامية: وهو سيناريو تصعيدي قد يدفعهم إلى مواجهة مباشرة مع أحمد الشرع قائدةالدولة السورية، مما سيؤدي إلى حملة قمع عسكرية شاملة ضدهم، وإشتعال حرب جهادية كبرى.
3. جمود في أي عملية بما يخص شرعية سوريا ورفع العقوبات الأمريكية إلى أجل غير مسمى ريثما تتخلص أمريكا من كل الشخصيات التي تضعها على قوائم الإرهاب .
هل ستنجح سوريا في استعادة شرعيتها؟
باختصار، فإن ربط الشرعية الدولية للقيادة السورية المستقبلية بشخصية مثل أحمد الشرع يتطلب جهودًا حثيثة للقضاء على التهديدات من قبل المتشددين داخل البلاد، وعلى رأسها تنظيم "حراس الدين". وهذا المسار لا يحدد فقط مستقبل سوريا في المجتمع الدولي، بل يفتح الباب أيضًا أمام مشاريع إعادة الإعمار والاستقرار، والتي لن تكون ممكنة دون توافق إقليمي ودولي حول القيادة الجديدة للبلاد.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن الشرع من تفكيك العقبات الأمنية والسياسية، أم أن سوريا ستظل رهينة للصراعات الإقليمية والتوازنات الدولية ؟
أ.د رامي جابر / عضو اتحاد سوريا العهد الجديد
باحث متخصص في دراسة التنظيمات الجهادية وحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تورنتو.
إرسال تعليق