حالة انعدام الوزن في الواقع السوري: بين القوى الداخلية والخارجية

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


أ. عبد الرحمن أبو جواد : "في الحالة السورية، يبدو الواقع وكأنه 'سقوط سياسي حر'  لا يميز بين الأفراد أو المكونات الطائفية أو القومية، في حين أن القوة الوحيدة القادرة على إعادة التماسك هي المصلحة العليا لسوريا وأهداف الثورة التي قامت من أجلها."


ارتبط مفهوم "انعدام الوزن" في أذهان الكثيرين بالفضاء الخارجي، حيث يتحرر الجسم من تأثير الجاذبية الأرضية. لكن إذا حاولنا ربط هذه الحالة بالواقع السوري اليوم، نجد أن التشبيه ليس دقيقًا، بل قد يكون مضللًا. فبينما يوحي "انعدام الوزن" بالتحرر والحرية، فإن الواقع السوري لا يتسم بهذه الصفة. فالتصريحات والقرارات السياسية في سوريا مرهونة بإملاءات قوى دولية وإقليمية، تتباين وتتعارض فيما بينها، مما يخلق حالة من الجمود والعجز السياسي.

في هذه الأوقات، كان من المتوقع أن يتفكك الواقع السوري تحت وطأة هذه القوى المتضاربة، كما يحدث في المواد عندما تفقد جزيئاتها الترابط الداخلي. إلا أن ما يميز الحالة السورية حتى الآن هو أن هذا التفكك لم يحدث، بل إن "الإطار" الذي يجمع جميع مكوناتها لا يزال متماسكًا، رغم الضغوط الخارجية والداخلية. قد يكون السبب في ذلك أن هذا الإطار - على الرغم من هشاشته - يعتبر "أثمن وأغلى" من محتوياته، وبالتالي لا تسعى القوى المتداخلة لتدميره.

نعود إلى فكرة الجاذبية في السياق المادي: هناك طريقة أخرى يمكن أن تكون فيها المكونات متماسكة رغم اختلافاتها، وهي عبر الروابط التي تشد العناصر المختلفة بعضها إلى بعض، مثل الإسمنت الذي يربط مكونات الخرسانة المختلفة (رمل، حصى، وغيرها). هذا الرابط يجعل العناصر تلتصق ببعضها لتشكل مادة قوية مقاومة للضغط. في الحالة السورية، لا توجد قوة ترابط أقوى من المصلحة العليا لسوريا وأهداف الثورة التي قامت من أجلها. ولكن على الرغم من ذلك، ما زالت النخب السياسية السورية تفضل التفكك والتشرذم، إذ لا يجمعها جامع ولا يربطها رابط داخلي متين، سوى "الإطار الخارجي" الذي قد ينهار عندما تزداد الضغوط.

لكن ما الذي يمنع مكونات الواقع السوري من التماسك؟ في علوم المواد، نعلم أن الشوائب التي تتراكم على سطح المكونات يمكن أن تمنع الترابط أو تضعفه. هذه الشوائب الداخلية هي نفسها التي تعيق التلاحم السياسي والاجتماعي في سوريا. يحتاج الواقع السوري إلى إزالة هذه الشوائب الداخلية كي يصبح التماسك ممكنًا، وتستطيع القوى الداخلية أن تتوحد لمواجهة التحديات.

من زاوية أخرى، نجد أن حالة "انعدام الوزن" في الفيزياء هي حالة "السقوط الحر". عندما تقف على ميزان في حالة ثابتة، يسجل الوزن الطبيعي للجسم، لكن في حالة السقوط الحر، يسجل الميزان "صفر" وزن. هذا هو التفسير العلمي لحالة انعدام الوزن. وإذا ألقينا نظرة على الواقع السوري، يمكننا اعتبار هذا الوضع بمثابة "سقوط حر" سياسي، حيث لا يميز بين الأفراد أو المكونات الطائفية أو القومية. الجميع يعاني من حالة انعدام الوزن، يعجز عن التقدم أو التأثير في الوضع القائم.

لكن، ورغم كل هذه القوى المتنافرة، يبقى الأمل قائمًا في إمكانية التماسك إذا ما تم إزالة العوامل المعيقة وأُعيد التركيز على المصلحة العليا لسوريا. إذا تمكنت القوى السياسية والمجتمعية من تجاوز الانقسامات الداخلية، فمن الممكن أن يجد السوريون رابطًا داخليًا أقوى من أي وقت مضى، ويستطيعون النهوض مجددًا، بعيدًا عن حالة السقوط الحر التي يعيشونها اليوم.

بقلم أ. عبد الرحمن أبو جواد/ عضو اتحاد سوريا العهد الجديد 




قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث