حين يسقط الحاكم وتبقى الأزمة

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

 

أ. علاء الباشا : سقط النظام، لكن السؤال الذي يتردد في أذهان السوريين: هل سقطت المعاناة؟ هل انتهت حقبة الدم والدمار والعوز أم أننا أمام فصل جديد من الفوضى والاضطراب والتحديات الاقتصادية؟  

البنية العسكرية: بين التخبط والانقسام

لم يكن للجيش السوري الجديد رفاهية الانطلاق من نقطة الصفر، فهو وريث مرحلة طويلة من التدخلات الخارجية والدعم المشروط الذي جعل بعض الكيانات العسكرية الثورية تدين بالولاء أكثر لمموليها من ولائها للقرار الوطني المستقل. ومع صعوبة وجود مظلة مركزية تجمع الفرقاء، تعيش البنية العسكرية اليوم حالة من التخبط، حيث تتنازع القوى المختلفة على النفوذ، ويخشى أن يتحول هذا التخبط إلى مواجهات داخلية تعيد البلاد إلى نقطة البداية.  


ففي الجنوب، تعالت الأصوات الإقليمية، وعلى رأسها إسرائيل، التي ترفض أي وجود عسكري سوري جديد بالقرب من حدودها. فـ تصريحات نتنياهو الأخيرة التي تحذر من تواجد القوات العسكرية الجديدة في الجنوب لم تكن مجرد موقف سياسي، بل كانت رسالة صريحة بأن سوريا الجديدة لن تكون قادرة على بسط سيادتها كاملة دون حسابات إقليمية ودولية.  


أما في شمال شرق البلاد، التضارب في المصالح بلغ مداه بين القوات الكردية والسلطة المركزية، وسط وجود أمريكي يفرض توازنات معقدة يصعب تجاوزها بسهولة. وبينما لا تزال الأطراف تبحث عن حلول وسط، تبقى هذه المنطقة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة إذا لم يتم احتواء المواقف المتشابكة فيها.  


وفي الساحل السوري، الذي كان لفترة طويلة محصناً من تداعيات الحرب بشكل مباشر، فقد بدأ يشهد تغيرات عسكرية مثيرة للقلق. تنامي التيارات العسكرية الجديدة في هذه المنطقة أصبح يشكل تحدياً جديداً للأمن والاستقرار، حيث ظهرت قوى مسلحة غير منضبطة قد تسهم في زعزعة التوازن الداخلي. هذه التحولات تثير مخاوف من أن يتحول الساحل إلى منطقة اضطراب جديدة إذا لم يتم احتواء هذه القوى وضبط انتشار السلاح.


المشهد السياسي: وعود كثيرة وتغيير غائب

البنية السياسية ليست بأفضل حال من نظيرتها العسكرية، إذ إن معظم الكيانات السياسية التي غيبها المشهد بعد سقوط النظام كانت ذات ارتباطات خارجية أفقدتها استقلالية القرار. ومع دخول الإدارة الجديدة، كان الأمل أن تُحدث قطيعة مع هذا الإرث، وأن تعود المعارضة السياسية بخبراتها لبناء مستقبل أكثر استقراراً. لكن نهج المركزية الذي تتبعه القيادة الجديدة جعل هؤلاء خصوماً في الخفاء، إذ باتوا يراقبون كثرة وعود القيادة دون نتائج ملموسة، متخذين ذلك دليلاً على فشلها، مما قد يجعلهم يدعمون وفكرة مواجهة القيادة مع الشارع، الذي بات أكثر وعياً ولم يعد يقبل بالخطابات الإنشائية.  


فرفع المعاناة عن الشعب السوري مرهون برفع العقوبات الدولية، ورفع العقوبات بدوره مرهون بتحقيق إصلاحات داخلية، وهنا تكمن المعضلة الكبرى، حيث يتزايد الضغط على الحكومة الوليدة. في ظل اقتصاد هش وبنية تحتية مدمرة، وإن أي تأخير في تنفيذ إصلاحات فعلية لن يكون مجرد أزمة داخلية، بل قد يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية، سواء عبر فرض إملاءات سياسية أو إعادة رسم الخرائط وفقاً لمصالح اللاعبين الدوليين.



التحدي الأكبر: استعادة ثقة الشعب وبناء الدولة

في ظل هذه التعقيدات، يبقى التحدي الأهم أمام الإدارة الجديدة في سوريا ليس فقط في فرض السيطرة على الأرض، بل في استعادة ثقة الشعب الذي دفع ثمناً باهظاً للحلم بالحرية والكرامة. ونشير إلى أن السوريون لم يعودوا يقبلون بالوعود أو الحلول المؤقتة، بل باتوا يطالبون بإصلاحات جذرية تعيد لهم إحساسهم بالمواطنة الحقيقية وتضمن لهم مستقبلاً أفضل.

وهنا نقول إن بناء دولة قوية ومستقلة لن يكون سهلاً ويحتاج لحزم، خاصة في ظل استمرار العقوبات الدولية والتدخلات الخارجية، و الخيار الوحيد لتجاوز مرحلة الفوضى وقطع الطريق أمام مشاريع التقسيم والتبعية. يتطلب ذلك إرادة تشاركية سياسية صلبة، وقرارات جريئة تستند إلى مصلحة الشعب السوري قبل أي اعتبارات أخرى.

فـ سوريا اليوم ليست كما كانت قبل سنوات. معادلات القوة تغيرت، وخريطة النفوذ تبدلت، لكن السؤال الذي يبقى معلقاً: هل ستنجح القيادة الجديدة التي تتخذ المركزية نهجاً لها في أن تحفاظ على وحدة البلاد، أم أننا أمام جولة جديدة من الصراع بأسماء وعناوين مختلفة؟ آخذين بعين الاعتبار الواقع الذي يفرض تحديات كبرى.


ختاماً نعول على الأمل الذي لا يزال قائماً بأن تعود سوريا إلى موقعها الطبيعي كدولة موحدة ذات سيادة، قادرة على رسم مستقبلها بعيداً عن الإملاءات الخارجية والمصالح الضيقة. وان تركز السلطة على بناء دولة حديثة تقوم على مبادئ العدالة والمواطنة، حيث يكون القانون الحيادي هو الحاكم، والمؤسسات هي الضامن لحقوق الجميع.

أ. علاء الباشا : المنسق العام لـ اتحاد سوريا العهد الجديد.







قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث