سوريا بين وعود التغيير وإشكاليات التطبيق

الكاتب: اتحاد سوريا العهد الجديد تاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


أ. علاء الباشا يكتب: يواجه المسار السياسي في سوريا تحديات كبيرة نتيجة لعدم وضوح الرؤية السياسية للقيادة الجديدة والإرث الذي تركه النظام السابق، وهو ما أثر بشكل ملحوظ على عملية التحول الديمقراطي. ورغم محاولات الإصلاح، تبقى التساؤلات قائمة: هل السبب يكمن في وجود "حصان طروادة" يتبنى القرارات، أم أن ضعف الخبرة السياسية هو السبب الرئيسي وراء هذه الإشكاليات؟

عهد جديد في سوريا حمل بين طياته وعودًا كبيرة من القيادة الجديدة، تلخصت بتقديم إصلاحات شاملة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. التطلعات لدى الشعب السوري كانت واسعة نحو تحسين الأوضاع وإعادة بناء المؤسسات الوطنية بما يتماشى مع مبادئ الثورة المشروعة في الحرية والعدالة.

ومع الترقب للتغيير، سرعان ما ظهرت تساؤلات جدية حول مدى جدية هذه الوعود، في ظل استمرار الأزمات والصعوبات التي تواجه البلاد على مختلف الأصعدة. وأيضاً فرض السؤال نفسه حول آليات تنفيذ الإصلاحات الموعودة، ومدى قدرة الحكومة الانتقالية في التعامل مع المشاكل العميقة التي تعاني منها سوريا.

الجميع تحدث عن التغيير، عن دولةٍ تعددية، عن اقتصادٍ سينتعش، وعن حقوقٍ ستُحفظ، لكن الأيام أثبتت أن التصريحات لا تكفي، وأن السياسة لا ترحم من لا يمتلك رؤية واضحة. وهنا بدأت الشكوك تحيط بالحكومة الجديدة، وبدأت شارات الاستفهام تتزايد: هل ما يجري هو تحول حقيقي أم مجرد إعادة إنتاج لأساليب قديمة بوجوه جديدة؟

وبين وعودٍ لم تتحقق، وقراراتٍ أثارت الجدل، وعلاقاتٍ خارجية متخبطة، يجد الشعب السوري نفسه عالقاً في دوامةٍ من السياسات المرتبكة، حيث لا يزال الشعب ينتظر أن يرى انعكاس الوعود على حياته اليومية، بينما تتجه أنظار العالم الخارجي إلى دمشق، تراقب بصمت، متسائلة: هل هي ولادةٌ جديدة أم مجرد فصلٍ آخر لبداية لم تأتي؟.

صعوبات يعيشها المواطن السوري

يواجه المواطن السوري تحديات متزايدة في مختلف جوانب الحياة، حيث يستمر الاقتصاد في الانكماش وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في نهاية عام 2024، والذي توقع تراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.5% في عام 2025، بعد انكماش بنسبة 1.2% في عام 2023. هذا التدهور الاقتصادي أدى إلى تراجع كبير في مستوى المعيشة، حيث يعيش حوالي 27% من السكان، أي ما يقارب 5.7 ملايين شخص، في فقر مدقع.

أيضاً، الأوضاع الاجتماعية ليست بأفضل حال، فقد تفاقمت الأزمات بسبب الانهيار الاقتصادي، ما تسبب في ارتفاع معدلات البطالة وتآكل القوة الشرائية للمواطنين. ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن سوريا تقف عند مفترق طرق بين إمكانية التعافي الاقتصادي أو استمرار حالة الفوضى، وهو ما يعكس حجم التحديات الاجتماعية التي تواجهها البلاد.

أما القطاع الصحي، فقد عانى بدوره من تدهور ملحوظ، حيث أشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" لعام 2024 إلى أن السوريين يواجهون مصاعب شديدة نتيجة الحرب والأزمة الاقتصادية وانعدام الأمن، مما أثر سلبًا على الخدمات الصحية وجعل الحصول على الرعاية الطبية أمراً بالغ الصعوبة.

في ظل هذه الظروف القاسية، ورغم الوعود الحكومية المتكررة، لا تزال القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصحية في حالة سُبات مستمر، وهو الأمر الذي يتطلب حلولًا جادة وفعالة بعيدًا عن التصريحات التي لا تسهم في تحسين الواقع المعيشي للمواطن السوري.

إطلاق سراح شخصيات من النظام السابق

سلسلة من الإجراءات المتعلقة بتسوية أوضاع الضباط والمسؤولين السابقين في النظام، أثارت جدلًا واسعًا حول آلية توزيع المناصب، خاصة في المراكز الأمنية التي قامت بعمل التسويات التي تمت مع ضباط متورطين في انتهاكات جسيمة خلال الحقبة السابقة.

ففي فبراير 2025، دعت وزارة الداخلية السورية العاملين السابقين في المؤسسات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى أعضاء حزب البعث، إلى تسوية أوضاعهم قبل العشرين من الشهر ذاته، وحذرت من المحاسبة القانونية لمن يتخلف عن ذلك. غير أن ما أثار غضب الشارع السوري كان إطلاق سراح شخصيات عسكرية شغلت مناصب حساسة، وارتبطت أسماؤها بجرائم القتل والاعتقال بحق المعارضين، دون إخضاعهم لمحاكمات عادلة.

من جهة أخرى، جاء إعلان قيادة الجيش السوري عن ترقية عشرات الضباط ليضيف مزيدًا من الجدل، خصوصًا بين المنشقين عن الجيش والمنتمين إلى الجيش السوري الحر ، أولئك الذين شاركوا في الثورة السورية. فقد تساءل كثيرون عن مصيرهم، وعن موعد إدماجهم في المؤسسة العسكرية الجديدة، أسوةً بالقادة المدنيين المقربين من السلطة.

هذه التطورات وضعت إشارات إستفهام حول مدى جدية القيادة السورية في تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية، في ظل استمرار الجدل حول ما هو المستقبل المنتظر للسوريين الأحرار.

السياسة الخارجية بوصلة لا تعرف الوجهة

منذ تولي القيادة الجديدة، بقيادة السيد أحمد الشرع، زمام الحكم في سوريا، كانت التوقعات عالية بشأن التغيير والإصلاحات الشاملة. إلا أن السياسة الخارجية للبلاد اتسمت بعدم الاتساق وغياب التوجه الاستراتيجي الواضح. في البداية، ركزت القيادة على تعزيز العلاقات مع تركيا باعتبارها شريكًا استراتيجيًا خلال المرحلة السابقة، لكن سرعان ما تحول المسار نحو دول أخرى دون مقدمات واضحة، ما عكس حالة من التذبذب في الرؤية السياسية.

وفي محاولة للخروج من العزلة الدولية، سعت القيادة السورية إلى توطيد علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أبدت استعدادها لدعم النظام الجديد. وقد شهدت الفترة التالية لقاءات دبلوماسية مكثفة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات، لكن هذا التقارب لم يكن كافيًا لتجاوز التحديات السياسية والاقتصادية. وبعد ذلك، توجهت سوريا نحو المملكة العربية السعودية في محاولة لبناء الثقة وتعزيز التعاون، ورغم العلاقات الطيبة بين البلدين، فإن هذه الجهود لم تحقق نتائج ملموسة، وظلت العلاقات بين الجانبين فاترة.

ومع استمرار البحث عن تحالفات جديدة، عادت القيادة السورية مرة أخرى لمحاولة تجديد التعاون مع تركيا، مما أبرز حالة التذبذب في التوجهات السياسية. كما جرت محاولات أخرى لفتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، إلا أن هذه التحركات افتقرت إلى رؤية واضحة، ما جعل المجتمع الدولي يتعامل مع سوريا بحذر، مقتصرًا في دعمه على المساعدات الإنسانية والصحية، دون تقديم أي دعم سياسي أو اقتصادي يخفف من وطأة العقوبات الدولية.

كل هذه التحركات أكدت أن القيادة السياسية، رغم وعودها بإحداث تغيير شامل، لم تتمكن من صياغة سياسة خارجية متماسكة، بل ظلت تحركاتها مقتصرة على تحسين العلاقات مع بعض الدول بشكل مؤقت، دون استراتيجية واضحة تضمن عودة سوريا إلى الساحة الدولية كلاعب مؤثر.

حوار وطني بوضعية الصامت

في إطار سعي القيادة السورية الجديدة لتحقيق تغيير سياسي حقيقي بعيدًا عن الاستبداد الذي مارسه النظام السابق بقيادة بشار الأسد، أعلنت عن إطلاق "الحوار الوطني" كخطوة مفترضة نحو بناء نظام ديمقراطي قائم على التعددية والتمثيل الشامل لجميع المكونات السورية.

إلا أنه عند النظر بعمق في تفاصيل هذا الحوار، اتضح أنه لم يكن سوى إجراء شكلي لم يرقَ إلى مستوى التطلعات الشعبية، ولم يعكس أي تغيير جوهري على أرض الواقع. فقد بدأ التحضير له خلال فترة قصيرة لم تتجاوز 15 يومًا، ما أثار تساؤلات حول جدية المبادرة. وزاد من الشكوك أن الدعوات للمؤتمر أُرسلت خلال 48 ساعة فقط، ما أوحى بأن الهدف الأساسي لم يكن تعزيز الديمقراطية الفعلية، بل تحسين صورة القيادة الجديدة أمام المجتمع الدولي، وخاصة الدول الأوروبية، لإظهار سوريا كدولة تتبنى نهجًا تعدديًا ديمقراطيًا.

لكن المؤتمر شهد العديد من الأخطاء التنظيمية، كان أبرزها قصر مدة ورش العمل التي لم تتجاوز يومًا واحدًا، مما قلل من فرص النقاش العميق والفعال. إضافة إلى ذلك، عانى المؤتمر من غياب واضح لتمثيل العديد من الطوائف والمكونات السورية، مثل الدروز والأكراد، وحتى بعض الشخصيات البارزة من الطوائف الأخرى، مما عزز الانطباع بأن القيادة الحالية لا تزال تفتقر إلى المصداقية في إحداث تغيير حقيقي يضمن مشاركة جميع الأطياف في صنع القرار السياسي.

وهكذا، بدلاً من أن يكون الحوار الوطني خطوة جادة نحو بناء سوريا جديدة، أصبح دليلًا على أن القيادة السورية لا تزال تعتمد على خطوات شكلية تهدف إلى كسب رضا المجتمع الدولي، دون أن تحقق تحولًا فعليًا نحو الديمقراطية الحقيقية.

الإنفراد بالرأي أم حصان طروادة

من وجهة نظر نسبة كبيرة من الشعب السوري، جاءت هذه الأخطاء نتيجة عدة عوامل عكست التحديات العميقة التي تواجهها القيادة السورية الجديدة في إدارة المرحلة الانتقالية. فمنذ توليها الحكم، وجدت القيادة نفسها أمام إرث ثقيل من سياسات الإقصاء والتفرد بالسلطة التي رسخها النظام السابق لعقود، مما جعل عملية التحول الديمقراطي أكثر تعقيدًا مما كان متوقعًا. بالإضافة إلى ذلك، أدى غياب الخبرة السياسية في إدارة الحوارات الوطنية الجامعة إلى اتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة، الأمر الذي أضعف مصداقية المبادرات المطروحة.

ومن وجهة نظرنا، تندرج هذه الأخطاء ضمن سببين رئيسيين:

أولاً: من الممكن أن القيادة السورية، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تتخذ خطوات غير حقيقية وصورية تهدف إلى تثبيت حكمها. قد يكون الهدف من هذه الخطوات هو محاولة كسب ود الخارج وإرضاء الأطراف الدولية المختلفة لإطالة فترة بقائها في السلطة تحت عنوان مرحلة إنتقالية، وبالتالي كسب وقت أكبر لتعزيز سلطتها السياسية. رغم ذلك، هذا التفسير قد لا يكون دقيقًا تمامًا بالنظر إلى شخصية أحمد الشرع التي تتمتع بثقافة سياسية عالية. فهو شخص يدرك تمامًا أن المجتمع الدولي لا يمر عليه مثل هذه الوعود بسهولة، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيشها سوريا. وبالتالي، من غير المرجح أن يقدم على خطوات صورية تفتقد للمصداقية.

ثانيًا: من الممكن أن هناك "حصان طروادة" في القيادة السورية الجديدة، حيث يتم رسم سياسات غير متوازنة ومتناقضة بشكل متعمد، مما يؤدي إلى إيقاع الفريق الحاكم في فخ يعزز الصدامات المستقبلية. وهذا التوجه قد يتسبب في تصعيد التوترات مع الشعب السوري، حيث لا توجد تغييرات ملموسة نحو الأفضل، مما يزيد من شعور المواطنين بالإحباط وعدم الثقة.

ثالثاً: لربما ضعف الخبرات السياسية والإدارية لدى القيادة الجديدة كان عاملاً رئيسيًا في ارتكاب أخطاء في التخطيط والتنفيذ، حيث لا تمتلك القيادة كوادر ذات خبرة كافية لإدارة مرحلة انتقالية حساسة ومعقدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإرث السياسي والاجتماعي الذي تركه النظام السابق، القائم على الإقصاء وقمع المعارضة، جعل من الصعب تحقيق انتقال سلس نحو الديمقراطية، خاصة في ظل تفكك المؤسسات السياسية التقليدية وضعف الأحزاب القادرة على لعب دور فعال. أما الأهم والذي يتطلب المعالجة هو انعدام الثقة بـ مختلف الأطياف السياسية المعارضة وهو ما زاد من تعقيد المشهد، حيث لم تثق القيادة بالمعارضة التي كانت تعمل من الخارج وكذلك لم تثق القوى المجتمعية بجدية القيادة الجديدة في تحقيق التغيير، مما يعزز الشكوك يوماً بعد يوم حول نوايا الإصلاح وهو ما أدى إلى استمرار حالة الانقسام السياسي.


أما ومن ناحية أخرى، لا يزال المجتمع الدولي يعبر عن قلقه تجاه القيادة الجديدة في سوريا، والتأكيد على هذا أن لا إزالة للعقوبات ولا دعم ملموس. وبالتالي، لا يُتوقع أن تحصل القيادة السورية على دعم خارجي قوي قريب، حيث تقتصر العلاقات على الدعم الإنساني والإنمائي، دون أن يكون هناك دعم استراتيجي حقيقي.



في الختام، تظل سوريا في مفترق طرق، بين تطلعات الشعب نحو التغيير والتحسن، وبين السياسات التي تتبعها القيادة الجديدة التي قد تحمل نوايا حسنة أو تحمل بعض التناقضات. ومع مرور الوقت، يبدو أن الأمل في تحقيق إصلاحات جذرية قد تراجع لصالح إجراءات شكليّة لا تغير من الواقع المعاش. لهذا دائماً نقولها إن تعزيز الثقة مع المجتمع الدولي، وفتح أبواب الحوار الحقيقي مع جميع أطياف الشعب السوري، يمثلان الأساس لتحقيق استقرار طويل الأمد في البلاد. ورغم التحديات، تبقى الأنظار مشدودة إلى سوريا التي تقف على مفترق الطرق بين الماضي والمستقبل، وتحتاج إلى خطوات حقيقية تؤكد التزام القيادة بالتغيير وتلبية احتياجات شعبها بغض النظر عن الثمن، فمن يُحرر يُعمر.


أ. علاء الباشا : المنسق العام لـ اتحاد سوريا العهد الجديد.



















قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

8301667542222144432

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث