نزع الاعتراف من سوريا هل هو عزل سياسي أم إجراء أمني؟
دون سابق إنذار وخلافاً لما كان متوقع أن هناك لقاء مرتقب بين الرئيس السوري احمد الشرع ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية ضمن وساطة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الأراضي السعودية، فقد أبلغت الولايات المتحدة الأميركية البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة بتحويل وضعها القانوني من "بعثة دائمة لدولة عضو" إلى "بعثة لـ حكومة غير معترف بها". والجدير بالذكر هذا التحول في التصنيف الدبلوماسي لا يُعدّ قراراً رمزياً فحسب، بل يحمل أثراً قانونياً مباشراً، ويُثير تساؤلات حول مدى إمكانية استتباعه بخطوات مشابهة من دول أخرى مثل الأتحاد الأوروبي ، ومدى قانونية ذلك في إطار العلاقات الدولية.
الإطار القانوني لسحب الاعتراف
الاعتراف بالحكومات في القانون الدولي ليس محكوماً بنص صريح واحد، لكنه يستند إلى مجموعة من الأعراف والممارسات المستقرة، أبرزها ما ورد في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تشترط أن يتم اعتماد البعثات الدبلوماسية من قبل الدولة المضيفة، بعد اعترافها بالحكومة التي تمثلها تلك البعثة. والولايات المتحدة، بتغييرها تصنيف تأشيرات أعضاء البعثة السورية من الفئة "G-1" إلى "G-3"، تُفعّل هذا المبدأ عملياً، إذ أن الفئة G-3 تُمنح لممثلي كيانات لا تعترف بها واشنطن كـ حكومات شرعية.
أما عن القرار فهو لا يُعدّ انتهاكاً للقانون الدولي، لأن الاعتراف بالحكومات مسألة سيادية، ولا توجد قاعدة تلزم الدول بالاعتراف بأي حكومة قائمة، حتى وإن كانت ممثلة في الأمم المتحدة. ويُستند هنا إلى مبدأ "التقدير السياسي السيادي" في العلاقات الدولية، الذي يخول الدول تحديد شرعية الكيانات التي تتعامل معها.
التأثير القانوني والدبلوماسي للقرار
على المستوى القانوني، لا يعني القرار بالضر ورة طرد البعثة السورية من الأمم المتحدة، إذ أن صفة الدولة العضو تُمنح من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليست رهناً باعتراف دولة المقر فقط. ومع ذلك، ولكن تغيير الوضع القانوني سيؤثر مباشرة على الامتيازات الدبلوماسية، وحركة أفراد البعثة، والوضعية القانونية لعائلاتهم، ما قد يعرقل عمل البعثة ويقلص من قدرتها التفاوضية والتواصلية.
أما على المستوى السياسي، فإن سحب الاعتراف يمكن أن يُقرأ كخطوة تمهيدية لتشكيل إجماع دولي أو إقليمي لعزل النظام دبلوماسياً، أو على الأقل لإعادة ضبط العلاقات الرسمية معه ضمن سياق أمني أو حقوقي.
نموذج حكومة جنوب إفريقيا إبان نظام الفصل العنصري
من أبرز الأمثلة التاريخية على نزع الاعتراف الدبلوماسي، ما قامت به العديد من الدول تجاه جنوب إفريقيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث امتنعت دول عدة، منها دول أفريقية وأوروبية، عن الاعتراف بحكومة بريتوريا بسبب سياسة الفصل العنصري، وقامت بطرد ممثليها الدبلوماسيين، و خفّضت مستوى تمثيلها. ورغم أن جنوب إفريقيا بقيت عضواً في الأمم المتحدة حتى عام 1974 (حين علّقت الجمعية العامة مشاركتها مؤقتاً)، إلا أن الضغط الدبلوماسي لعب دوراً في عزل النظام وإضعاف شرعيته الدولية.
ختاماً نقول لا يُمكن فصل القرار الأميركي عن سياق أوسع من إعادة تقييم شرعية الحكومات في ضوء معايير أمنية وحقوقية. ورغم الطابع الأمني المعلن للقرار، فإننا نرى أن له أبعاداً قانونية ودبلوماسية لا تخطئها القراءة المتأنية. فسحب الاعتراف أو خفض مستواه لا يُخالف القانون الدولي، بل يُعد أداة مشروعة ضمن سياسة الدول الخارجية، ولكننا نرى أن سيكون في هذه الحالة مقدّمة عزل دبلوماسي تدريجي للنظام السوري، خصوصاً إذا حذت دول أخرى حذو الولايات المتحدة، كما حدث تاريخياً في حالات مماثلة.
الاستاذة دانية عبد الهادي / عضو مؤسس اتحاد سوريا العهد الجديد
محامية وعضو في منظمة حقوق الإنسان، حاصلة على درجة البكالوريوس في القانون الدولي، وتتمتع بخبرة واسعة في الدفاع عن قضايا الحقوق المدنية والسياسية.

الإطار القانوني لسحب الاعتراف
الاعتراف بالحكومات في القانون الدولي ليس محكوماً بنص صريح واحد، لكنه يستند إلى مجموعة من الأعراف والممارسات المستقرة، أبرزها ما ورد في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، التي تشترط أن يتم اعتماد البعثات الدبلوماسية من قبل الدولة المضيفة، بعد اعترافها بالحكومة التي تمثلها تلك البعثة. والولايات المتحدة، بتغييرها تصنيف تأشيرات أعضاء البعثة السورية من الفئة "G-1" إلى "G-3"، تُفعّل هذا المبدأ عملياً، إذ أن الفئة G-3 تُمنح لممثلي كيانات لا تعترف بها واشنطن كـ حكومات شرعية.
أما عن القرار فهو لا يُعدّ انتهاكاً للقانون الدولي، لأن الاعتراف بالحكومات مسألة سيادية، ولا توجد قاعدة تلزم الدول بالاعتراف بأي حكومة قائمة، حتى وإن كانت ممثلة في الأمم المتحدة. ويُستند هنا إلى مبدأ "التقدير السياسي السيادي" في العلاقات الدولية، الذي يخول الدول تحديد شرعية الكيانات التي تتعامل معها.
التأثير القانوني والدبلوماسي للقرار
على المستوى القانوني، لا يعني القرار بالضر ورة طرد البعثة السورية من الأمم المتحدة، إذ أن صفة الدولة العضو تُمنح من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليست رهناً باعتراف دولة المقر فقط. ومع ذلك، ولكن تغيير الوضع القانوني سيؤثر مباشرة على الامتيازات الدبلوماسية، وحركة أفراد البعثة، والوضعية القانونية لعائلاتهم، ما قد يعرقل عمل البعثة ويقلص من قدرتها التفاوضية والتواصلية.
أما على المستوى السياسي، فإن سحب الاعتراف يمكن أن يُقرأ كخطوة تمهيدية لتشكيل إجماع دولي أو إقليمي لعزل النظام دبلوماسياً، أو على الأقل لإعادة ضبط العلاقات الرسمية معه ضمن سياق أمني أو حقوقي.
نموذج حكومة جنوب إفريقيا إبان نظام الفصل العنصري
من أبرز الأمثلة التاريخية على نزع الاعتراف الدبلوماسي، ما قامت به العديد من الدول تجاه جنوب إفريقيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث امتنعت دول عدة، منها دول أفريقية وأوروبية، عن الاعتراف بحكومة بريتوريا بسبب سياسة الفصل العنصري، وقامت بطرد ممثليها الدبلوماسيين، و خفّضت مستوى تمثيلها. ورغم أن جنوب إفريقيا بقيت عضواً في الأمم المتحدة حتى عام 1974 (حين علّقت الجمعية العامة مشاركتها مؤقتاً)، إلا أن الضغط الدبلوماسي لعب دوراً في عزل النظام وإضعاف شرعيته الدولية.
ختاماً نقول لا يُمكن فصل القرار الأميركي عن سياق أوسع من إعادة تقييم شرعية الحكومات في ضوء معايير أمنية وحقوقية. ورغم الطابع الأمني المعلن للقرار، فإننا نرى أن له أبعاداً قانونية ودبلوماسية لا تخطئها القراءة المتأنية. فسحب الاعتراف أو خفض مستواه لا يُخالف القانون الدولي، بل يُعد أداة مشروعة ضمن سياسة الدول الخارجية، ولكننا نرى أن سيكون في هذه الحالة مقدّمة عزل دبلوماسي تدريجي للنظام السوري، خصوصاً إذا حذت دول أخرى حذو الولايات المتحدة، كما حدث تاريخياً في حالات مماثلة.
الاستاذة دانية عبد الهادي / عضو مؤسس اتحاد سوريا العهد الجديد
محامية وعضو في منظمة حقوق الإنسان، حاصلة على درجة البكالوريوس في القانون الدولي، وتتمتع بخبرة واسعة في الدفاع عن قضايا الحقوق المدنية والسياسية.

إرسال تعليق